الخضرمة قيل هذا المعنى لكل من أدرك الجاهلية والإسلام : مخضرم ؛ لأنه أدرك الخضرمتين : خضرمة الجاهلية وخضرمة الإسلام . ورجل مخضرم : لم يختتن . ورجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام . وشاعر مخضرم : أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد وغيره ممن أدركهما.[20] فهم الذين واجهوا الإسلام وحياة جديدة بعد أن عاشوا في الجاهلية وتأثروا بها، فالخضرمة الشيئين المختلفين وهم مخضرمون لأنهم عاصروا وعاشوا في عصريين مختلفين؛ ومن المحقق أن الإسلام قد أثَّر فيهم، في عقيدتهم، وفي حياتهم، ولكن إلى أي مدى .[21]
  • "من يقرأ أشعار المخضرمين متصفحا ما نثر في كتب التاريخ والأدب يجد جمهور الشعراء يصدَّرون في جوانب من أشعارهم عن قيم الإسلام الروحية التي آمنوا بها وخالطت شغاف قلوبهم؛ ولشعراء المدينة القدح المعلى في هذا الميدان ، فهم الذين وقفوا مع الرسول - ص- منذ نزوله بين ظهرانيهم ينافحون عنه ويدافعون عن دعوته مصورين لهديه الكريم ، يتقدمهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة ، وكان عبد الله خاصة دائم الاستمداد من القرآن ..."[22]ومن هؤلاء:

حسان بن ثابت[]

حسان بن ثابت بن المنذر من الخزرج .[23] يقال أنه عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين أخرى؛ تردد حسان قبل الإسلام على بلاط الغساسنة ، وكان لسان قومه في الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، ومن ثمَّ اصطدم بالشاعرين الأوسين: قيس بن الخطيم ، وأبى قيس بن الأسْلت.[24]
  • كان حسان شديد العصبية لقومه، فلا يكاد يتعرض لهم أحد بسوء حتى ينبري للذياد عنهم بشعره، فيشيد بمناقبهم ويهجو أعداءهم، وهذه العصبية تفسر لنا غلبة الهجاء والفخر على شعره الجاهلي. وقد بلغ أنه طلَّق زوجته "عمره" الأوسية لأنها عيَّرته بأخواله.
كان يختلف إلى مجالس الشرب واللهو، ليعاقر الخمر ويستمع إلى غناء القيان، وكان شديد الولع بالخمرة، يتلف ماله في طلبها ولولاها لكان خليقا بأن يكون ذا مال وثراء[25] :
تقول شعثاء لو تفيق من الكأس لألفيت مثري العددِ
أهوى حديث الندمان في فلق الصبح وصوت المسامر ِ المغردِ
حسان في الإسلام عندما يدخل حسان الإسلام بعد هجرة الرسول - ص - حتى إذا أخذ شعراء قريش في هجاء الرسول - ص- وصحبه من المسلمين أنبرى لهم بلاذع هجائه ، وكان رسول الله Mohamed peace be upon him.svg يحثُّه على ذلك ويدعو له بمثل اللهم أيَّده بروح القدس، واستمع إلى بعض هجائه لهم فقال: "لهذا أشد عليهم من وقع النبل" كما سبق أن ذكرنا في الأدلة، وكان أيضا لم يكن يهجوهم بالكفر إنما كان يهجوهم بالإيام التي هُزِمُوا فيها ويعيِّرهم بالمثالب والأنساب.
سمي حسان شاعر الإسلام ورسوله الكريم، فقد عاش يدافع عن الرسول Mohamed peace be upon him.svgوالمسلمين، فهو حين يرد على شاعر وفد بني تميم الزبرقان بن بدر يقول[26] :
إنّ الذوائبَ منْ فهرٍ وإخوتهمْقدْ بينوا سنة ً للناسِ تتبعُ
يَرْضَى بهَا كُلُّ مَن كانَتْ سرِيرَتُهُتقوى الإلهِ وبالأمرِ الذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضروا عدوهمُ،أوْ حاوَلُوا النّفْعَ في أشياعِهِمْ نَفعوا
سجية ٌ تلكَ منهمْ غيرُ محدثة ٍ،إنّ الخلائِقَ، فاعلَمْ، شرُّها البِدَعُ
...
أعِفّة ٌ ذُكِرَتْ في الوَحيِ عِفّتُهُمْلا يَطْمَعونَ، ولا يُرْديهمُ الطّمَعُ
كم من صديقٍ لهمْ نالوا كرامتهُومِنْ عَدُوٍّ عَليهمُ جاهدٍ جدعوا
أعطوا نبيَّ الهدى والبرّ طاعتهمْفمَا وَنَى نَصْرُهُمْ عنْهُ وَما نَزَعُوا
إن قالَ سيروا أجدوا السيرَ جهدهمُ،أوْ قالَ عوجوا عَلَيْنَا ساعة ً، رَبَعُوا[27]
منزلته الشعرية أتفق الرواة والنقاد على أنه أشعر أهل المدر في عصره وأنه أشعر اليمن قاطبة، وقد خلَّف ديوانا ضخما رواه ابن حبيب، غير أن كثيرا من الشعر المصنوع دخله؛ أما الباحثون المحدثون فقد اختلفت أحكامهم على حسان فبروكلمان يرى فضل انتشاره إلى غرضه النبيل وهوالمنافحة عن الرسول وأن شعره يدنو من حد الإبتذال.[28]

كعب بن زهير[]

أبوه زهير بن أبي سلمى من فحول الشعراء في الجاهلية، وهما من قبيلة مزينة. وقد تلقن الشعر عن أبيه، ومعروف أن كعبا وبجيرا أخاه والحطيئة أدركوا الإسلام ، وكان أسبقهم إلى الدخول فيه بجير؛ وقد هجاه أخوه كعبا حينئذ هجاءا شديدا تأذى منه رسول الله[29] :
ألاأبلغا عني بُجيراً رسالة ًفهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هل لكا
شربتَ مع المأمونِ كأساً روية ًفانهلك المأمونُ منها وعلَّكا
وخالفت أسبابَ الهدى وتبعتهُعلى أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلَّكَا
على خلقٍ لم تلفِ أمًّا ولا أباًعليه ولم تدرك عليه اخاً لكا
كانت قريش تسمي النبي Mohamed peace be upon him.svg الأمين والمأمون .[30]

وما زال كعب على وثنيته، إلى فتح مكة فيسلم بعد أن أهدر النبي Mohamed peace be upon him.svg دمه ، ويستشفع لنفسه عند النبي Mohamed peace be upon him.svg بلاميته المشهورة (بانت سعاد) ، فكساه النبي Mohamed peace be upon him.svg بُردة؛ اشتراها معاوية من ابنائه بعد ذلك بعشرين ألف درهم. ويستهلها - أي القصيدة - بالغزل، ثم يصور خوفه من رسول الله Mohamed peace be upon him.svg وأمله في أن يعفُ عنه، ثم يمدح المهاجرين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق